طيلة سنوات، اعتاد أحمد القدوم للعمل في العاصمة أثناء العطل لضمان تغطية نفقاته الدراسية، أمام محدودية دخل والديه. يبيع الطفل، ذو الأحد عشرة ربيعا، الرزنامات والمناديل الورقية في الشوارع و تقاطعات الطرقات، صحبة إبنيْ عمّه الّذين يكبرانه سنّا. و هو نوع من « التسوّل المقنّع ». وتشير إحصائيات الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالأشخاص لسنة 2017 إلى وجود 287 طفلا يمارسون التسوّل في الشارع. ظاهرة تفاقمت في صفوف الأطفال في السنوات الأخيرة حسب إحصائيات وزارة الداخلية ومندوب حماية الطفولة، مكتسحة الفضاء العمومي. ولكن خلف الرّقم الرسمي، تكمن شبكات تستغلّ الأطفال في التسوّل، ونصوص قانونية متضاربة، في حين يغيب التدخل الصارم للدولة للتصدّي للظاهرة
الفقر… المتّهم الرئيسي في استغلال الطفل
يمسح أحمد العرق المتصبّب على جبينه، ويقول متحسرّا : »لو لم يدفع بي والداي إلى العمل لما كنت هنا الآن ». أحمد هو الابن البكر لعائلة من 5 أفراد. والده، العامل اليوميّ، لا يشتغل بانتظام، أمّا والدته فهي ربّة بيت. يدرك أحمد أنه ما من خيار آخر أمامه سوى مساعدة أبويه، أي أن يعيش حياة لم يخترها، بل فرضتها عليه قلّة ذات اليد.
اعتادت عائلة أحمد أن تحلّ بتونس في كل عطلة قادمة من القصرين. هذه المرّة، نزلت العائلة لتلتحق بالأسرة الموسعة في منزل من ثلاث غرف في « حيّ النور » الشعبي وسط العاصمة. ثلاث عائلات تتقاسم كلفة الإيجار البالغة 150 دينارا شهريا
تنحدر عائلة أحمد من قرية المزيرعة من معتمدية حاسي الفريد من ولاية القصرين. لا تعدو المزيرعة أن تكون سوى تجمّعا سكنيا ريفيا صغيرا، فيه بضعة محلات تجارية ومقهى ومؤسسة عمومية وحيدة هي المدرسة الابتدائية بالمزيرعة. وتبقى منابت الحلفاء والمراعي مورد الرزق الوحيد لأغلب السكان
حال المزيرعة ليس بأفضل من حاسي الفريد مركز المعتمدية، التي تعد 19.400 ساكنا موزّعين على عدة أرياف والتي تتميز بمناخ قاس جدا، ما جعلها مصنفة، كآخر معتمدية في مؤشرات التنمية حسب المعهد الوطني للإحصاء، فهي الأولى في تونس على مستوى نسب الفقر والبطالة والامية والانقطاع المدرسي ونقص البنية الاساسية
المسار الأول: حركة عائلية نحو المدن الكبرى
- عائلات بأكملها تنتقل الى العاصمة قادمة من المناطق الداخلية للبلاد التونسية. تقيم في خيمات أو تؤجّر منازل وضيعات على تخوم العاصمة والمدن الكبرى في الساحل. تقضي فترة الصيف في التسول، ثم تعود في الشتاء الى مسقط رأسها. حسب ما يوضحه بعض الجيران في منطقة حاسي الفريد، يخشى البعض أحيانا العودة إلى البلدة خوفا من « كلام الناس » الّذين يعلمون بأمر امتهانهم لهذا النشاط
كان هذا حال عائلة أحمد، التي انتقلت منذ سنوات إلى تونس العاصمة، ليصبح التسول نشاطها الأساسي. في يوم من أيام شهر جويلية استيقظ أحمد وابنا عمّه ككلّ صباح، ليبدأوا رحلة التسوّل اليومية. من حي النور الكبارية يتّجهون منذ الساعة السابعة صباحا إلى المكتبة الموجود بمنطقة باب الخضراء، مستقليّن المترو صحبة عمّهم أو بمفردهم، ومن هناك، يقتنون عددا من الرزنامات وكتيّبات الأذكار الدينية من المكتبة لبيعها لاحقا في محطة المترو الرئيسية بأريانة
يستظهر أحمد ببطاقة العلاج المجانية أثناء التسول أمام المارة ويطلب منهم المساعدة مدعيا ان أخته تحتاج لاجراء عملية جراحية باهظة الثمن وهو لا يستطيع توفير المال الكافي لها. أسلوب من بين الأساليب التي يستعملها الأطفال لاستدرار عاطفة المارّة عبر التوسل إليهم تارة ليشتروا منهم بضاعتهم، وعبر إخبارهم تارة أخرى بأنهم مضطرون للعمل لتغطية نفقات اللوازم المدرسية أو إدّعاء المرض
المصدر/موقع إنكيفاد